(إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) لما فرغ سبحانه من شرح حال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية، والمعنى أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمع الجيوش لذلك، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش.
وعن ابن عباس قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وعن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه. وعن الحكم بن عتيبة قال: نزلت في أبي سفيان أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب، وكانت الأوقية يومئذ أربعين واثنين مثقالاً من ذهب.
ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال (فسينفقونها) أى سيقع منهم هذا الإنفاق وسيعلمون عاقبة إنفاقها من الخيبة وعدم الظفر بالمقصود فحصلت المغايرة (ثم تكون) أي عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم (عليهم حسرة) كأن ذات الأموال تنقلب حسرة وتصير ندماً لفوات ما قصدوه بها (ثم) آخر الأمر (يُغلبون) في الدنيا كما وعد الله في مثل قوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) ومعنى ثم في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد، وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل الأموال وعدم حصول المقصود من المباينة.
ثم قال (والذين كفروا) أي استمروا على الكفر لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقاً من أسلم وحسن إسلامه (إلى جهنم يحشرون) أي يساقون إليها لا إلى غيرها.