(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) قد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل، والناس هنا أهل مكة، والهدى القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم (ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين) المعنى على حذف مضاف؛ أي ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب أو انتظار إتيان سنة الأولين، وإنما احتيج إلى حذف المضاف إذ لا يمكن جعل إتيان سنة الأولين مانعاً عن إيمانهم، فإن المانع يقارن المنوع، وإتيان العذاب متأخر عن عدم إيمانهم بمدة كثيرة.
وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التي من جملتها جدالهم بالباطل، وسنة الأولين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال. قال قتادة: عقوبة الأولين، وقال الزجاج: سنتهم هو قولهم (إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية.
(أو يأتيهم العذاب) أي عذاب الآخرة (قبلاً) جمع قبيل، قاله الفراء أي متفرقاً يتلو بعضه بعضاً، وقيل عياناً وجهاراً، قاله الأعمش، وقيل فجاءة. قاله مجاهد.
ويناسب ما قاله الفراء قراءة قُبُلاً بضمتين فإنه جمع قبيل نحو سبيل وسبل، والمراد أصناف العذاب ويناسب التفسير الثاني، أي عياناً قراءة قبَلاً بكسر القاف وفتح الباء أي مقابلة ومعاينة، وقرئ بفتحتين على معنى أو يأتيهم العذاب مستقبلاً، فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته.