(وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) تمسك اللعين بمجرد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه، وقد كان يعلم أن ربه الله عز وجل والظاهر أنه لا يريد بإلهية نفسه كونه خالقاً للسموات والأرض وما بينهما، فإن العلم بامتناع ذلك مما لا يخفى على أحد، فالشك في ذلك يقتضي زوال العقل بالكلية، فالمخذول لعنه الله كأنه يظن أن الأفلاك والكواكب كافية في اختلاف أحوال هذا العالم السفلي، فلا حاجة إلى إثبات صانع.
قال القاضي: نفي علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه. ولذلك أمر ببناء الصرح، قلت: هو رد على الزمخشري في قوله: أن المقصود بنفي العلم بالإله نفي وجوده، ويمكن التوجيه بأن يقال: الوجود وجودان، وجود ذهني ووجود خارجي والمراد في كلامه الأول.
ولا شك أنه إذا انتفى علم الإنسان بشيء انتفى وجوده في ذهنه، ولكن ربما كان هذا غير مراد للزمخشري، لأن الظاهر من كلامه الوجود الشائع عند أهل اللغة، وهو الخارجي. قال سراج الدين: غرض صاحب الكشاف أن عدم الوجود سبب لعدم العلم بالوجود في الجملة، ولا شك أنه كذلك فأطلق السبب وأريد السبب، لا أن بينهما ملازمة كلية على أنه لا كان من أقوى أسباب عدم العلم لأنه المطرد، جاز أن يطلق ويراد به الوجود، إذ لا يشترط عند علماء هذا الفن اللزوم العقلي، بل العادي والعرفي كاف أيضاً.