(وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) هذا فن آخر من فنون كفرهم بالله جاؤوا به للاستهزاء والسخرية، ومعناه لو شاء الرحمن في زعمكم عدم عبادة الملائكة ما عبدنا هذه الملائكة، فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها، أو على حسنها، وذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض، مأموراً كان أو منهياً، حسناً كان أو غيره، وبالجملة هذا كلام حق يراد به باطل، وقد مضى بيانه في الأنعام، وتعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله لم يشأ الكفر من الكافر، وإنما شاء الإيمان، فإن الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام فرد الله عليهم قولهم واعتقادهم، وبين جهلهم بقوله:
(ما لهم بذلك) أي بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم (من علم) بل تكلموا بذلك جهلاً، وأرادوا بما صورته صورة الحق باطلاً، وزعموا أنه إذا شاء فقد رضي. وقيل: الإشارة بذلك إلى قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً) قاله قتادة ومقاتل والكلبي، وقال مجاهد وابن جريج أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم ثم بين انتفاء علمهم بقوله:
(إن هم إلا يخرصون) أي ما هم إلا يكذبون فيما قالوا ويتمحلون تمحلاً باطلاً، قال هنا (يخرصون) وفي الجاثية (يظنون)، هذا كذب فناسبه الخرص وما هناك صدق مخلوط بالكذب فناسبه الظن.