(أكان الناس عجباً أن أوحينا) لإنكار العجب مع ما يفيده من التقريع والتوبيخ، أي أكان إيحاؤنا عجباً للناس، والعجب حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة، وقيل العجب ما لا يعرف سببه والمراد بالناس هنا أهل مكة، يعني قريشاً.
(إلى رجل منهم) أي من جنسهم، وليس في هذا ما يقتضي العجب فإنه لا يلابس الجنس ويرشده ويخبره عن الله سبحانه إلا من كان من جنسه، ولو كان من غير جنسهم لكان من الملائكة أو من الجن ويتعذر المقصود حينئذ من الإرسال لأنهم لا يأنسون إليه ولا يشاهدونه، ولو فرضنا تشكله لهم وظهوره فإما أن يظهر في غير شكل النوع الإنساني وذلك أوحش لقلوبهم وأبعد من إنسهم أو في الشكل الإنساني فلا بد من إنكارهم لكونه في الأصل غير إنسان.
هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم، وإن كان لكونه يتيماً أو فقيراً فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعاً من خصال الخير والشرف ما لا يجمعه غيره وبالغاً في كمال الصفات إلى جد يقصر عنه من كان غنياً أو غير يتيم، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصطفيه الله بالرسالة من خصال الكمال عند قريش ما هو أشهر من الشمس وأظهر من النهار حتى كانوا يسمون الأمين (أن أنذر الناس) أي خوفهم قيل: أن هي المفسرة لأن في الايحاء معنى القول، وقيل مصدرية والإنذار إخبار مع تخويف كما أن البشارة إخبار مع سرور.