(الذين صبروا) على مشاق التكاليف، وعلى أذية المشركين لهم، والهجرة لإظهار الدين وعلى الطاعة، وعن المعاصي، ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم (وعلى ربهم يتوكلون) أي: يفوضون أمورهم إليه في كل إقدام وإحجام، ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل، وهو النظر في حال الدواب فقال:
(وكأين) قد تقدم الكلام فيها وأنها أي دخلت عليها كاف التشبيه، وصار فيها معنى كم كما صرح به الخليل وسيبويه، وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد (من دابة) وقيل: المعنى وكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء (لا تحمل رزقها) أي لا تطيق حمله لضعفها، ولا تدخره لغد، ولا ترفعه معها مثل البهائم والطير.
(الله يرزقها وإياكم) أي إنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم، فكيف لا تتوكلون على الله مع قوتكم وقدرتكم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها. قال الحسن: تأكل لوقتها لا تدخر شيئاًً، وقال مجاهد: يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاًً.
وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن، والمعنى أنها تذهب أول النهار جياعاً ضامرة البطون وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعاً ممتلئة البطون، ولا تدخر شيئاًً. قال سفيان بن عيينة: ليس شيء من خلق الله يخبئ إلا الإنسان والفأرة والنملة، سوى سبحانه وتعالى في هذه الآية بين الحريص والمتوكل في الرزق، وبين الراغب والقانع، وبين الجلد والعاجز يعني أن الجلد لا يتصور