(لقد منّ الله على المؤمنين) أي أحسن إليهم وتفضل عليهم، والمنة النعمة العظيمة، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثة الرسول (إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم) يعني من جنسهم عربياً مثلهم، ولد ببلدهم، ونشأ بينهم يعرفون نسبه، وقيل بشراً مثلهم، ووجه المنة على الأول أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه، ولا يحتاجون إلى ترجمان، ومعناها على التاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية.
وقرىء من أنفسهم بفتح الفاء أي أشرفهم، لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل من قريش وقريش أفضل من العرب، والعرب أفضل من غيرهم.
ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول، وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص، لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار (١) ورفاعة المحتد.
ويدل على الوجه الأول قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) وقوله (وإنه لذكر لك ولقومك).
وكان فيما خطب به أبو طالب حين زوّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد وقد حضر ذلك بنو هاشم ورؤساء مضر: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس. وإن ابنى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به فتى إلا رجح، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل.