(خلق الإنسان من عجل) أي جعل لفرط استعجاله في أحواله كأنه مخلوق من العجل، وفيه استعارة بالكناية، والعجل والعجلة ضد البطء، وقد عَجِل من باب طَرِب، والمعنى أن الإنسان من حيث هو مطبوع على العجلة فيستعجل كثيراً من الأشياء وإن كانت تضره، وقال الفراء: كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة.
وقال الزجاج. خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء خلقت منه، كما تقول أنت من لعب وخلقت من لعب، تريد المبالغة في وصفه بذلك، ويدل على هذا المعنى قوله:(وكان الإنسان عجولاً) والمراد بالإنسان الجنس، وقيل آدم، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه من الروح صار الروح في رأسه، فذهب ينهض قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه فوقع؛ فقيل:(خلق الإنسان من عجل) كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسدي والكلبي ومجاهد، ولفظ عكرمة: لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس، فقال الحمد لله، فقالت الملائكة يرحمك الله؛ فذهب ينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع، فقال الله:(خلق الإنسان من عجل) وعن ابن جريج نحوه.
وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني: العجل الطين بلغة حمير، وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث وهو القائل:(اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) إلخ، وقيل نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب، وقال الأخفش: معناه أنه قيل له كن فكان، وقيل: أن هذه الآية من المقلوب، أي خلق العجل من الإنسان لشدة صدوره منه وملازمته له. وقد حكى هذا عن أبي عبيدة والنحاس وأبى عمرو، والقول الأول أولى.
(سأوريكم آياتي) أي نقماتي منكم ومواعيدي في الآخرة بعذاب النار أو في الدنيا كوقعة بدر (فلا تستعجلون) بالإتيان فإنه نازل بكم لا محالة.