(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) لما شرح الله تعالى فضائح المنافقين وقبائحهم بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، وذكر أقسامهم وفرع على كل قسم منها ما هو لائق به، عاد على بيان فضيلة الجهاد والترغيب فيه وقد بالغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه حيث عبر عن قبوله أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله واثابته إياهم بمقابلتها بالجنة بالشراء، فذكر الشراء تمثيل على طريقة الاستعارة التبعية كما في قوله:(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى).
ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد، أنفس المؤمنين وأموالهم وجعل الثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة الجنة، ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال أن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم، ليدل على أن المقصود في العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون في مقابلتها وسيلة إليها إيذاناً بكمال العناية بهم وبأموالهم.
ثم أنه لم يقل بالجنة بل قال (بأن لهم الجنة) مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم، وأصل الشراء بين العباد هو إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر مثله أو دونه أو انفع منه، فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التي أعدها الله للمؤمنين أي بأن يكونوا من أهل الجنة وممن يسكنها جادوا يأنفسهم وهي أنفس الاعلاق