(ثم سواه) أي الإنسان الذي بدأ خلقه من طين وهو آدم، أو جميع النوع، والمراد أنه عدل خلقه وسوى شكله، وقومه وناسب بين أعضائه على ما ينبغي كقوله في أحسن تقويم.
(ونفخ فيه من روحه) أي جعله حياً حساساً بعد أن كان جماداً، وبالإضافة للتشريف والتكريم، وهذه الإضافة تقوي أن الكلام في آدم لا في ذريته، وإن أمكن توجيهه بالنسبة إلى الجميع، وقيل للتخصيص، أي نفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه، والأول أولى ثم خاطب جميع النوع فقال:
(وجعل لكم) وفيه التفات عن الغيبة إلا الخطاب، ولم يخاطبهم قبل ذلك لأن الخطاب إنما يكون مع الحي فلما قال ونفخ فيه من روحه خاطبه بعد ذلك وقال: وجعل لكم:
(السمع) أي الأسماع (والأبصار، والأفئدة) أي القلوب تكميلاً لنعمته عليكم، وتتميماً لتسويته لخلقكم، حتى تجتمع لكم هذه النعم، فتسمعون كل مسموع، وتبصرون كل مبصر، وتعقلون كل متعقل، وتفهمون كل ما يفهم، وأفرد السمع لكونه مصدراً يشمل القليل والكثير، وخص السمع بذكر المصدر دون البصر والفؤاد، فذكرهما بالاسم، ولهذا جمعا لأن السمع قوة واحدة. ولها محل واحد، وهو الأذن، ولا اختيار لها فيه، فإن الصوت يصل إليها ولا يقدر على رده، ولا على تخصيص السمع ببعض المسموعات دون بعض؛ بخلاف الأبصار فمحلها العين، وله فيه اختيار، فإنها تتحرك إلا جانب المرئي دون غيره، وتطبق أجفانها إذا لم ترد الرؤية لشيء، وكذلك الفؤاد له نوع اختيار في إدراكه فيتعقل هذا دون هذا، ويفهم هذا دون هذا.
(قليلاً ما) أي شكراً قليلاً، أو زماناً قليلاً (تشكرون) وفي هذا بيان لكفرهم لنعم الله، وتركهم لشكرها إلا فيما ندر من الأحوال.