(ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط) الإيفاء هو التمام والقسط العدل وهو عدم الزيادة والنقص، وإن كانت الزيادة على الإيفاء فضل وخير ولكنها فوق ما يفيده اسم العدل والنهي عن النقص وإن كان يستلزم الإيفاء ففي تعاضد الدلالتين مبالغة بليغة وتأكيد حسن وشدة اهتمام فلذا كرر ليقوي الزجر والمنع من ذلك الفعل، والمعنى أتموهما ولا تطففوا فيهما، وقيل القسط تقويم لسان الميزان وتعديل المكيال. ثم زاد ذلك تأكيداً ثالثاً فقال (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) قد مر تفسير هذا في الأعراف وفيه النهي عن البخس على العموم والأشياء أعم مما يكال ويوزن فيدخل البخس بتطفيف الكيل والوزن في هذا دخولاً أولياً، فظهر بهذا البيان فائدة هذا التكرير، وقيل البخس الكسر خاصة.
ثم قال (ولا تعثوا في الأرض) بتطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم، وقد مر أيضاً تفسيره في البقرة. والعثي في الأرض يشمل كل ما يقع فيها من الإضرار بالناس فيدخل فيه كل ما في السياق من نقص المكيال والميزان، وعثى مصدر قياسي وعثو سماعي وقيده بالحال وهو قوله (مفسدين) ليخرج ما كان صورته من العثي في الأرض، والمراد به الإصلاح كما وقع من الخضر في السفينة.