(وما أرسلنا من رسول) من زائدة للتوكيد قاله الزجاج، والمعنى وما أرسلنا رسولاً (إلا ليطاع) فيما أمر به ونهى عنه، وهذه لام كي، والاستثناء مفرغ أي ما أرسلنا لشيء من الأشياء إلا للطاعة (بإذن الله) بعلمه وقيل بأمره وقيل بتوفيقه، وفيه توبيخ وتقريع للمنافقين الذين تركوا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضوا بحكم الطاغوت.
(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك من الطاغوت وغيره (جاؤوك) متوسّلين إليك تائبين من النفاق متنصلين عن جناياتهم ومخالفاتهم (فاستغفروا الله) لذنوبهم بالتوبة والإخلاص وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعاً لهم فاستغفرت لهم، وإنما قال (واستغفر لهم الرسول) على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً لاستغفاره وإجلالاً للمجيء إليه (لوجدوا الله تواباً رحيماً) أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم.
وهذا المجيء يختص بزمان حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وليس المجيء إليه يعني إلى مرقده المنوّر بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم مما تدل عليه هذه الآية كما قرره في (الصارم المنكى (١)) ولهذا لم يذهب إلا هذا الاحتمال البعيد أحد من سلف الأمة وأئمتها لا من الصحابة ولا من التابعين ولا ممن تبعهم بالإحسان.
(١) البخاري ٥/ ٢٦، ومسلم ٤/ ١٨٣٠، ولفظه عن عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.