(وننزل من القرآن ما هو شفاء) من لابتداء الغاية قاله أبو حيان ويصح أن تكون لبيان الجنس، قاله الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء فإن جميع القرآن شفاء وقدم على المبين للاهتمام وأبو حيان ينكر جوازه لأن التي للبيان لا بدّ أن يتقدمها ما تبينه لا أن تتقدم هي عليه فالمختار هو الأول، وقيل للتبعيض وأنكره بعض المفسرين لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه ورده ابن عطية بأن المبعض هو إنزاله.
واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين: الأول: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه. الثاني: أنه شفاء عن الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوذ ونحو ذلك والتبرك بقراءته يدفع كثيراً من الإدواء والأسقام يدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب وما يدريك أنها رقية، ولا مانع من حمل الشفاء على معنيين من باب عموم المجاز أو من باب حمل المشترك على معنييه.
(ورحمة للمؤمنين) لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدنيا والدين، ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذي يكون سبباً لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى).
والحاصل أن القرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق وإبطال المذاهب الفاسدة فهو شفاء لأمراض القلوب وتكفير للذنوب وتفريج للكروب وتطهير للعيوب، وفي الحديث " من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله ". ثم لما ذكر سبحانه ما في القرآن من المنفعة لعباده المؤمنين ذكر ما فيه لمن