(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قال أهل التفسير لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً، قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل كتاب، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم - فهو فقير، ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام.
(سنكتب ما قالوا) في صحف الملائكة أو سنحفظه أو سنجازيهم عليه والمراد الوعيد لهم وإن ذلك لا يفوت على الله بل هو معد لهم ليوم الجزاء.
وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جواباً لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع، فقال: قال لهم سنكتب ما قالوا (و) نكتب (قتلهم الأنبياء) أي قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظيم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء (بغير حق) حتى في اعتقادهم، فكانوا يعتقدون أن قتلهم لا يجوز ولا يحل وحينئذ فيناسب شن الغارة عليهم.
(ونقول) أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار أو عند الموت أو عند، الحساب، وقرىء بالياء أي يقول الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة (ذوقوا عذاب الحريق) الحريق اسم للنار الملتهبة، وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة (١).
(١) أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت مِدْراس اليهود، فوجدهم قد اجتمعوا على رجل منهم، اسمه فنحاص، فقال له أبو بكر: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله. فقال: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا. فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والله لولا العهد الذي بيننا لضربت عنقك. فذهب فنحاص يشكو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره أبو بكر بما قال، فجحد فنحاص، فنزلت هذه الآية.