(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس) أي لأجلهم أو لأجل مناسكهم، والبيت هو الكعبة غلب عليه كما غلب النجم على الثريا، ويدخل فيه جميع الحرم لوصفه بكونه آمناً كما سيأتي، ومثابة مصدر من ثاب يثوب مثاباً ومثابة أي مرجعاً يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم عنه، وقيل المثابة من الثواب أي يثابون هنالك قال مجاهد الراد أنهم لا يقضون منه أوطارهم، قال الأخفش ودخلت الهاء لكثرة من يثوب إليه كعلامة ونسابة، وقال غيره هي للتأنيث وليست للمبالغة وهو مصدر أو اسم مكان، قولان.
(وأمناً) هو اسم مكان أي موضع أمن وهو أظهر من جعله اسم الفاعل على سبيل المجاز كقوله (حرماً آمنا) فإن الآمن هو الساكن والملتجىء والأول لا مجاز فيه، وقد استدل بذلك جماعة من أهل العلم على أنه لا يقام الحد على من لجأ إليه، ويؤيد ذلك قوله تعالى (ومن دخله كان آمناً) وقيل إن ذلك منسوخ، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الأذخر " أخرجه البخاري ومسلم (١) وكان الناس يأمنون فيه من أذى المشركين فإنهم كانوا لا يتعرضون لأهل مكة ويقولون هم أهل الله، وقال ابن عباس في الآية معاذاً وملجأً.
(١) رواه مسلم/١٣٥٣ وقد ورد في فضائل مكة أحاديث كثيرة صحيحة.