(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) فيه إخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون، وفيه دليل على جواز لعن الكافر بعد موته خلافاً لمن قال إنه لا فائدة له، واختلفوا من المراد بذلك فقيل أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد روي عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وآية الرجم وغيرها من الأحكام التي كانت في التوراة، وقيل: كل من كتم الحق وترك بيان ما أوجب الله بيانه وهو الراجح لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول، فعلى فرض أن سبب النزول ما وقع من اليهود والنصارى من الكتم فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية لكل من كتم الحق.
وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره، فإن من لعنه الله ولعنه كل من يأتي منه اللعن من عباده قد بلغ من الشقاوة والخسران إلا الغاية التي لا تلحق ولا يدرك كنهها.
وفي قوله (من البينات والهدى) دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك كما قال أبو هريرة: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم، أخرجه البخاري.
والضمير في (بيناه) راجع إلى (ما أنزلنا) والكتاب اسم جنس وتعريفه