(هو الذي جعل لكمٍ الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً) الجعل إن كان بمعنى الإبداع والخلق فمبصرًا حال، وإن كان بمعنى التصيير فهو المفعول الثاني أي جعل لعباده الزمان منقسماً إلى قسمين أحدهما مظلم وهو الليل لأجل أن يسكن العباد فيه عن الحركة والتعب ويريحون أنفسهم عن الكد والكسب، والآخر مبصر لأجل أن يسعوا فيه بما يعود على نفعهم وتوفير معايشهم ويحصلون ما يحتاجون إليه في وقت مضيء منير لا يخفى عليهم كبير ولا حقير، وجعله سبحانه للنهار مبصراً مجاز.
والمعنى أنه مبصر صاحبه كقولهم نهاره صائم وقال قطرب: تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء، وفي الكلام شبه احتباك حيث حذف من كل ما أثبته أو مقابله في الآخر فحذف مظلماً لدلالة مبصراً عليه وحذف لتتحركوا لدلالة لتسكنوا عليه، وهذا أفصح الكلام.
(إن في ذلك) الجعل المذكور (لآيات) عجيبة كثيرة (لقوم يسمعون) ما يتلى عليهم من الآيات التنزيلية المنبهة على الآيات التكوينية مما ذكره الله سبحانه هاهنا منها ومن غيرها مما لم يذكره فعند السماع منهم لذلك يتفكرون ويعتبرون ويعلمون أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الله المتفرد بالوحدانية في الوجود فيكون ذلك من أعظم أسباب الإيمان.