(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف الآتية، ولما فرغ من الكلام على مشركي العرب بقوله:(براءة من الله) إلى هنا أخذ يتكلم على أهل الكتابين وهو نص في أن أهل الكتاب لا يؤمنون بالله تعالى فاليهود كفروا لأنهم ما قدروا الله حق قدره ولا عرفوه بصفات كماله، وفرقوا بين الإيمان بالله ورسوله، وغلوا في عزير فقالوا هو ابن الله، والنصارى كفروا لأنهم غلوا في المسيح وقالوا هو ثالث ثلاثة.
قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين أمر محمد وأصحابه بقتال الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك، وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود فصالحهم فكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام وأول ذل أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين.
(و) نص الله تعالى في الآية بأنهم (لا) يؤمنون (باليوم الآخر) فإن قلت إنهم قد قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى وإثبات الجنة والنار فرع إثبات اليوم الآخر.
قلت: لما كان إثباتهم إياه بغير صفاته ودعوى كاذبة بأنهم أهل الجنة لا غير وأنهم يعذبون أياماً معينة، كان إثباته بهذه الصفة نفياً له فإنه إيمان باطل، وإلا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أنهم يعتقدون بعثة الأرواح دون الأجسام ويعتقدون أن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون، ومن اعتقد ذلك فليس إيمانه كإيمان المؤمنين وإن زعم أنه مؤمن.