(ما عندكم ينفد وما عند الله باق) والنفاد الفناء والذهاب، يقال نفد بكسر العين ينفد بفتحها نفاداً ونفوداً، وأما نفذ بالمعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضم، ويقال أنفد القوم إذا فنى زادهم، وباق بثبوت الياء وحذفها مع سكون القاف وهما سبعيتان.
ومعلوم لكل عاقل إن ما ينفد ويزول وأن بلغ في الكثرة إلى أي مبلغ فهو حقير يسير، وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل أما نعيم الآخرة فظاهر؛ وأما نعيم الدنيا الذي أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلاً لكنه لما كان متصلاً بنعيم الآخرة كان من هذه الحيثية في حكم الباقي الذي لا ينقطع.
ثم قال (ولنجزين) بالنون ففيه التفات، وقرئ بالياء واللام هي الموطئة للقسم أي والله لنجزين (الذين صبروا) بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاق التكليف والفاقة وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الأذى (أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) من الطاعات، قيل وإنما خص أحسن أعمالهم لأن ما عداه وهو الحسن مباح والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل المعنى ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من أعمالهم، كقوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
وقيل (أحسن) هنا ليس للتفضيل بل بمعنى الحسن أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل لا إنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن، كذا قيل، وفيه ما لا يخفى من العدة