(يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي) أي: لا يغني ولا يقضي (والد عن ولده) شيئاًً ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع، لاشتغاله بنفسه، وقد تقدم بيان معناه في البقرة (ولا مولود هو) مبتدأ ثان خبره: (جاز عن والده شيئاًً) والجملة خبر مولود، وجاز الابتداء به، وهو نكرة لأنه في سياق النفي، ثم الخبر مع المبتدأ كلام وارد على طريق من التوكيد، لم يرد عليه ما هو معطوف عليه، لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعليه وقد انضم إلى ذلك قوله (هو) وقوله (مولود) والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين، فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة، ومعنى التأكيد في لفظ المولود: إن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته، فضلاً أن يشفع لأجداده، إذ الولد يقع على الولد، وولد الولد، بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك، كذا في الكشاف.
وبالجملة فقد ذكر سبحانه هنا فردين من القرابات، وهما الوالد والولد، وهما الغاية في الحنو والمحبة والشفقة على بعضهم البعض، فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى، فكيف بالأجانب، ونبه أيضاً بالأعلى على الأدنى، وبالأدنى على الأعلى، فالوالد يجزي عن ولده في الدنيا لكمال شفقته عليه، والولد يجزي عن والده لما له عليه من حق التربية وغيرها، فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول: نفسي نفسي، ولا يهتم بقريب ولا بعيد.