(قال سلام عليك) أي تحية توديع ومقاطعة ومتاركة، كقوله تعالى: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
وقيل معناه أمنة مني لك. قاله ابن جرير. وإنما أمنه مع كفره لأنه لم يؤمر بقتاله والأول أولى وبه قال الجمهور.
وقيل معناه الدعاء له بالسلامة استمالة له ورفقاً به، وهذا في مقابلة قوله: لئن لم تنته، وهذا مقابلة للسيئة بالحسنة. ثم وعده بأن يطلب له المغفرة من الله سبحانه تألفاً له وطمعاً في لينه وذهاب قسوته.
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى ... يوارى في ثرى رمسه
فقال:(سأستغفر لك ربي) وكان منه هذا الوعد قبل أن يعلم أنه يموت على كفره وتحق عليه الكلمة. ولهذا قال الله سبحانه في موضع آخر:(فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) بعد قوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أياه) وقيل المراد باستغفاره له طلب توفيقه للإيمان الموجب للمغفرة، أي سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة، يعني الإسلام، والاستغفار للكافر بهذا الوجه جائز، كأنه يقول اللهم وفقه للإسلام أو تب عليه واهده. قاله الكرخي والصحيح هو الأول.
(إنه كان بي حفياً) تعليل لما قبلها، والمعنى سأطلب لك المغفرة من الله، فإنه كان بي كثير البر واللطف. يقال حفي به وتحفى إذا بره. قال الكسائي. يقال حفي بي حفاوة وحفوة أي اعتنى بي وبالغ في إكرامي والطافي. وقال الفراء: حفياً أي عالماً لطيفاً يجيبني إذا دعوته. وبه قال ابن عباس. والحفي أيضاً المستقصي في السؤال، ومنه كأنك حفي عنها.