(ولقد كرمنا) هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله على (بني آدم) أي كرمناهم جميعاً وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة المعتدلة والطهارة بعد الموت وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله.
وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم وسائر الحيوانات تأكل بالفم وكذا حكاه النحاس، وقيل ميَّزهم بالنطق والعقل والتمييز وقيل باعتدال القامة وامتدادها، وقيل بحسن التقويم والتصوير، وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب.
وقال ابن جرير: أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم وقيل بالكلام والخط والفهم وقيل بحسن تدبيرهم في أمر المعاش والمعاد وقيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس.
ولا مانع من حمل التكريم على جميع هذه الأشياء وأعظم خصال التكريم العقل فإنه به تسلطوا على جميع الحيوانات وميزوا بين الحسن والقبيح وتوسعوا في المطاعم والمشارب وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها سائر الحيوان، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون،