(و) اذكر (إذ غدوت من أهلك) أي من المنزل الذي فيه أهلك يعني عائشة، وفيه منقبة عظيمة لها رضي الله عنها لقوله (من أهلك) فنصّ الله تعالى على أنها من أهله، قد ذهب الجمهور إلى أنّ هذه الآية نزلت في غزوة أحد، وقالى الحسن: في يوم بدر وفي رواية عنه يوم الأحزاب، قالى ابن جرير الطبري الأول الأصح للآية الآتية.
وقد اتفق العلماء على أن ذلك كان يوم أحد وبه قال عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس والزهري وقتادة والسدي والربيع وابن اسحق، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي في غزوة الخندق.
(تبوّىء المؤمنين) أي تنزلهم أو تهيىء وتسوي لهم (مقاعد للقتال) وأصل التبوّء اتخاذ المنزل يقال بوأته منزلاً إذا أسكنته أياه، ومعنى الآية واذكر إذ خرجت من منزل أهلك تتخذ للمؤمنين مراكز وأماكن يقعدون ويقفون فيها للقتال.
وعبّر عن الخروج بالغدو الذي هو الخروج غدوة مع كونه - صلى الله عليه وسلم - خرج بعد صلاة الجمعة لأنه قد يعبر بالغدو والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما، كما يقال أضحى وإن لم يكن في وقت الضحى.
وقد ورد في كتب التاريخ والسير كيفية الاختلاف في المشورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم أحد، فمن قائل نخرج إليهم، ومن قائل نبقى في المدينة فخرج، وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك، ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (وإذ غدوت من أهلك) أي يوم أحد (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بنيّاتكم وما في ضمائركم.