(فمكث) بفتح الكاف من باب نصر، وقرئ بضم الكاف من باب قرب قال سيبويه: مكث يمكث مكوثاً كقعد يقعد قعوداً، أي مكث الهدهد بعد تفقد سليمان إياه زماناً (غير بعيد) وقيل: إن الضمير في مكث لسليمان، والمعنى بقي سليمان بعد التفقد والتوعد زماناً غير طويل، والأول أولى.
(فقال أحطت بما لم تحط به) الإحاطة: العلم بالشيء من جميع جهاته، حتى لا يخفى عليه معلوم، ولعل في الكلام حذفاً، والتقدير فمكث الهدهد غير بعيد، فجاء فعوتب على مغيبه، فقال معتذراً عن ذلك: أحطت بما لم تحط به. قال الفراء: ويقال: أحت بإدغام الطاء في التاء، والمعنى علمت ما لم تعلمه من الأمر، وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك. وقال ابن عباس: اطلعت على ما لم تطلع عليه.
وقد ألهم الله الهدهد هذا الكلام، فكافح سليمان به مع ما أوتي من فضل النبوة، والعلوم الجمة: إبتلاء له في علمه، وتنبيهاً على أن أدنى جنده قد أحاط علماً بما لم يحط به ليكون لطفاً به في ترك الإعجاب وإنما أخفى الله على سليمان مكانها، وكانت المسافة بينهما قريبة لمصلحة رآها، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب. وفيه دليل على بطلان قول الرافضة: إن الإمام لا يخفى عليه شيء، ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه.