(إنا أنزلنا إليك الكتاب) أي القرآن (بالحق) أي متلبساً به، والحق الصدق أو الأمر والنهي والفصل بين الناس (لتحكم بين الناس بما أراك) أي أعلمك (الله) إما بوحي أو بما هو جار على سنن ما قد أوحى إليك به، وليس المراد هنا رؤية العين لأن الحكم لا يرى بل المراد ما عرّفه الله به وأرشده إليه، وإنما سمي العلم اليقيني رؤية لأنه جرى مجرى الرؤية في قوة الظهور.
روي عن عمر أنه قال: لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن ليجهد رأيه لأن الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مصيباً لأن الله كان يريه إياه، وإن رأى أحدنا يكون ظناً ولا يكون علماً، وقد دلت هذه الآية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يحكم إلا بالوحي الإلهي.
(ولا تكن للخائنين) أي لأجلهم (خصيماً) مخاصماً عنهم مجادلاً للمحقين بسببهم، وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق، ونزلت هذه الآية في بني الأبيرق، وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة عن جماعة من التابعين عند أهل السنن وغيرهم لا نطوّل بذكرها (١).
(١) روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أن نفراً من الأنصار غزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أن طعمة بن أبيرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده، فانطلقوا إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاً فقالوا يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن صاحب الدرع فلان وقد ⦗٢٣١⦘ أحطنا بذلك علماً فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبرأه وعذره على رؤوس الناس فأنزل الله (إنا أنزلنا الكتاب بالحق ليحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) ورواه الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم بأطول من هذا قلت إسناده ضعيف جداً.