(فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) وكان هذا القول منهم بطراً وطغياناً لما سئموا النعمة ولم يصبروا على العاقبة فتمنوا طول الأسفار والتباعد بين الديار، وسألوا الله تعالى أن يجعل بينهم وبين الشام مكان تلك القرى المتواصلة الكثيرة الماء والشجر والأمن من المفاوز والقفار، والبراري المتباعدة الأقطار، فأجابهم الله إلى ذلك وخرب تلك القرى المتواصلة، وذهب بما فيها من الخير والماء والشجر.
فكانت دعوتهم هذه كدعوة بني إسرائيل حيث قالوا:(ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها) الآية مكان المن والسلوى وكقول النضر ابن الحرث: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية قرأ الجمهور: ربنا بالنصب على أنه منادى مضاف وقرأوا أيضاًً باعد وقرىء: بعد بتشديد العين، وقرأ ابن السميفع بضم العين فعلاً ماضياً فيكون معنى هذه القراءة الشكوى من بعد الأسفار، وقرىء: ربنا بالرفع وباعد بفتح العين على أنه فعل ماض على الابتداء والخبر، والمعنى: لقد باعد ربنا بين أسفارنا، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، واختارها أبو حاتم، وقال: لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب الذي كان بينهم وبين الشام بالقرى المتواصلة بطراً وأشراً، وكفراً للنعمة، وقرىء: ربنا بالرفع وبعد بفتح العين مشدّدة والمعنى على هذه القراءة الشكوى بأن ربهم بعّد بين أسفارهم مع كونها قريبة متصلة بالقرى والشجر والماء.
فيكون هذا من جملة بطرهم وقرأ أخو الحسن البصري كقراءة ابن السميفع السابقة مع رفع بين على أنه الفاعل كما قيل في قوله: لقد تقطع بينكم