والشام قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام وقيل هي بين المدينة والشام قال المبرد القرى الظاهرة هي المعروفة وإنما قيل لها ظاهرة لظهورها إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى فكانت قرى ظاهرة، أي معروفة يقال: هذا أمر ظاهر أي معروف وقيل ظاهرة لأعين الناظرين أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم.
(وقدرنا فيها السير) أي جعلنا السير من القرية إلى القرية ومن المنزل إلى المنزل مقدراً معيناً واحداً، وذلك نصف يوم في الغدو والرواح، فإذا صاروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار فكان ما بين اليمن والشام كذلك كما قال المفسرون، قال الفراء: أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والماء، ولخوف الطريق فإذا وجد الزاد والأمن لم يحمل نفسه المشقة، بل ينزل أينما أراد، والحاصل أن الله سبحانه عدد عليهم النعم ثم ذكر ما نزل بهم من النقم، ثم عاد لتعديد بقية ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم وبين ما يريدون السفر إليه، ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبراري كما سيأتي.
(سيروا فيها) أي قلنا لهم سيروا في تلك القرى المتصلة فهو أمر تمكين أي ومكناهم من السير فيها متى شاءوا وفي لفظ: (في) إشعار بشدة القرب حتى كأنهم لم يخرجوا من نفس القرى قال ابن عباس: أي إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام المقدسة.
(ليالي وأياماً آمنين) مما تخافونه، وقال قتادة: كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضاً ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه، قيل: وأتى بلفظ النكرة تنبيهاً على قصر أسفارهم أي كانوا لا يحتاجون إلى طول السفر لوجود ما يحتاجون إليه. ثم ذكر سبحانه أنهم لم يشكروا النعمة بل طلبوا التعب والكد.