(مثل الذين حملوا التوراة) أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها، وقال الجرجاني: حملوا من الحملة بمعنى الكفالة، لا من الحمل على الظهر، والحميل هو الكفيل أي ضمنوا أحكام التوراة (ثم لم يحملوها) أي لم يعملوا بموجبها، ولا أطاعوا ما أمروا به فيها، ولم يؤدوا حقها (كمثل الحمار) الذي هو أبلد الحيوان فخص بالذكر، لأنه في غاية الغباوة.
(يحمل أسفاراً) حال أو صفة للحمار، إذ ليس المراد به حماراً معيناً، فهو حكم النكرة، إذ المراد به الجنس، وقرأ المأمون بن هرون الرشيد يحمل مشدداً مبنياً للمفعول، والأسفار جمع سفر، وهو الكتاب الكبير، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء قال ابن عباس: أسفاراً كتباً أي كباراً من كتب العلم، قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل، فهكذا اليهود، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وهذا المثل يلحق من لم يفهم معاني القرآن ولم يعمل بما فيه وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه، ولهذا قال ميمون بن مهران: يا أهل القرون اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم، ثم تلا هذه الآية ثم ذم هذا المثل، والمراد منه ذمهم فقال:
(بئس) مثلاً (مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر به مضمر، ومثل القوم هو المخصوص بالذم، أو مثل القوم فاعل بئس، والمخصوص بالذم الموصول بعده على حذف المضاف، أي مثل الذين كذبوا ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم، فيكون في محل جر، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير بئس مثل القوم المكذبين، مثل هؤلاء والمراد بالآيات محمد صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من آيات القرآن وقيل: المراد آيات التوراة لأنهم كذبوا بها حين تركوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (والله لا يهدي القوم الظالمين) يعني الكافرين على العموم، فيدخل فيهم اليهود دخولاً أولياً والمراد بهم الذين سبق في علمه أنهم لا يؤمنون، وإلا فقد هدى كثيراً من الكفار.