(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي قدوة صالحة، يقال: لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء، والأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم يوضع موضع المصدر يقال: ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به، قال الجوهري: الأسوة والإِسوة بالضم والكسر والجمع أسى وإسى، وقد قرىء بهما وهما سبعيتان وهما أيضاًً لغتان كما قال الفراء وغيره.
وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي لقد كان لكم في رسول الله حيث بذل نفسه للقتال، وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة، والمعنى اقتدوا به اقتداء حسناً، وهو أن تنصروا دين الله وتوازروا رسوله، ولا تتخلفوا عنه، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ كسرت رباعيته، وجرح وشج وجهه، وجاع بطنه، وقتل عمه حمزة، وأوذي بضروب الأذى فصبر، وواساكم مع ذلك بنفسه، فافعلوا أنتم كذلك أيضاًً، واستنوا بسنته، وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً فهي عامة في كل شيء؛ ومثلها:(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقوله: (قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
عن ابن عمر قال في الآية: هذا في جوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة، وهي خارجة عما نحن بصدده، نعم فيه دلالة على لزوم الاتباع، وترك التقليد الحادث الذي أصيب به الإسلام، أي مصيبة وهل هذه الأسوة على الإيجاب أو على الاستحباب، فيه قولان، قال القرطبي يحتمل أن تحمل على الإيجاب في أمور الدين، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا.
(لمن كان يرجو الله) أي حسنة كائنة لمن يرجو الله والمراد أنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه، يعني يرجون ثوابه ولقاءه (واليوم الآخر) أي أنهم يرجون رحمة الله فيه أو يصدقون بحصوله، وأنه كائن لا محالة وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى.