(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً) قال المفسرون: إن المؤمنين قالوا: وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه، حتى نعمله، ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا، فأنزل الله هذه الآية، وانتصاب صفاً على المصدرية والمفعول محذوف أي يصفون أنفسهم صفاً، وقيل: هو مصدر في موضع الحال أي صافين أو مصفوفين قرأ الجمهور يقاتلون على البناء للفاعل، وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول، وقرىء يقتلون بالتشديد.
وجملة:(كأنهم بنيان مرصوص) في محل نصب على الحال من فاعل يقاتلون أو من الضمير في صفاً على تقدير أنه مؤول بصافين أو مصفوفين، ومعنى مرصوص ملتزق بعضه ببعض، يقال: رصصت البناء أرصه رصاً إذا ضممت بعضه إلى بعض، وقال الفراء: مرصوص بالرصاص، قال المبرد: هو مأخوذ من رصصت البناء إذا لا يمت بينه، وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة، وقيل: هو من الرصيص وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض، والتراص التلاصق، وقيل: المتلائم الأجزاء المستويها، وقال ابن عباس في الآية: مثبث لا يزول، ملصق بعضه على بعض، وقيل: أريد استواء نياتهم في حرب عدوهم، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رص بعضه إلى بعض، والأول أولى.
ولما ذكر تعالى الجهاد المشتمل على المشاق وأنه يحب المقاتلين في سبيله، ذكر قصتي موسى وعيسى تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم، ليصبر على أذى قومه، وبين أنهما أمرا بالتوحيد، وجاهدا في سبيل الله، وجعل العقاب لمن خالفهما مبتدئاً بقصة موسى لتقدمه في الزمان فقال: