(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) قد تقدم معنى كتب قريباً، وحضور الموت حضور أسبابه وأماراته وظهور علاماته من العلل والأمراض المخوفة، وليس المراد منه معاينة الموت، لأنه في ذلك الوقت يعجز عن الإيصاء، وإنما لم يؤنث الفعل المسند إلى الوصية وهو كتب لوجود الفاصل بينهما، وقيل لأنها بمعنى الإيصاء، وقد روي جواز إسناد ما لا تأنيث فيه إلى المؤنث مع عدم الفصل، وقد حكى سيبويه: أقام امرأة وهو خلاف ما أطبق عليه أئمة العربية.
(إن ترك خيراً) شرط سبحانه ما كتبه من الوصية بأن يترك الموصي خيراً أي مالاً. قال الزهري: هو يطلق على القليل والكثير، فتجب الوصية في الكل وقيل لا يطلق إلاّ على المال الكثير، وهو قول الأكثرين.
واختلف أهل العلم في مقدار الخير فقيل ما زاد على سبعمائة دينار، وقيل ألف دينار، وقيل ما زاد على خمسمائة دينار، وقيل ستون ديناراً فما فوقها. وقيل من خمسمائة إلى ألف، وقيل إنه المال الكثير الفاضل عن العيال، والخير هنا المال، ويقع في القرآن على وجوه ونبه بتسميته خيراً على أن الوصية تستحب في مال طيب.
(الوصية) أي الإيصاء، والوصية في الأصل عبارة عن الأمر بالشيء والعهد به في الحياة وبعد الموت وهي هنا عبارة عن الأمر بالشيء بعد الموت، وقد اتفق أهل العلم على وجوب الوصية على من عليه دين أو عنده وديعة أو نحوها، وأما من لم يكن كذلك فذهب أكثرهم إلى أنها غير واجبة عليه سواء كان فقيراً أو غنياً، وقالت طائفة إنها واجبة.