للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقتل قصاصاً إذا قتل آخر كف عن القتل وانزجر عن التسرع إليه، والوقوع فيه، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية.

وهذا نوع من البلاغة بليغ، وجنس من الفصاحة رفيع، فإنه جعل القصاص الذي هو موت، حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضاً إبقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم، وقيل إن الحياة سلامة من القصاص في الآخرة فإنه إذا اقتص في الدنيا لم يقتص عنه في الآخرة والأول أولى.

وقال الخازن: هذا الحكم غير مختص القصاص الذي هو القتل، بل يدخل فيه جميع الجروح والشجاج وغير ذلك، وقرأ أبو الجوزاء (ولكم في القصص حياة) أي فيما قص عليكم من حكم القتل حياة أو في كتاب الله أي نجاة وقيل أراد حياة القلوب، وقيل هو مصدر بمعنى القصاص. والكل ضعيف والقراءة به منكرة (يا أولي الألباب) أي ذوي العقول الكاملة، جعل هذا الخطاب موجهاً إلى أولي الألباب وناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب، ويتحامون ما فيه الضرر الآجل، وأما من كان مصاباً بالحمق والطيش والخفة فإنه لا ينظر عند سورة غضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة، ولا يفكر في أمر مستقبل، والألباب جمع لب، وهو العقل الخالي من الهوى، سمي بذلك لأحد وجهين إما لبنائه من لب بالمكان أقام به وإما من اللباب وهو الخالص.

ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله (لعلكم تتقون) أي تعملون عمل أهل التقوى، وتتحامون القتل بالمحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له، فيكون ذلك سبباً للتقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>