(قال إنما أشكو بثي وحزني) بضم الحاء وسكون الزاي وقرئ بفتحهما (إلى الله) هذه الجملة مستأنفة كأنه قيل فما قال يعقوب لما قالوا له ما قالوا، والبث ما يرد على الإنسان من الأشياء التي تعظم حزن صاحبها حتى لا يقدر على إخفائها كذا قال أهل اللغة وهو مأخوذ من بثثته أي فرقته، فسميت المصيبة بثاً مجازاً. قال ابن قتيبة البث أشد الحزن.
وقد ذكر المفسرون أن الإنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان ذلك حزناً وهماً، وإن لم يقدر على كتمه وذكره لغيره كان ذلك بثاً، فالبث على هذا أعظم الحزن وأصعبه، وقيل البث الهم وقيل الحاجة وعلى هذا يكون عطف الحزن على البث واضح المعنى، وأما على تفسير البث بالحزن العظيم فكأنه قال: إنما أشكو حزني العظيم وما دونه من الحزن القليل إلى الله لا إلى غيره من الناس ولا إليكم.
وعن مسلم بن يسار يرفعه قال: من بث لم يصبر، ثم قرأ هذه الآية. أخرجه ابن جرير وعبد الرزاق. قال ابن عباس: بثي همي.
(وأعلم من الله) أي من لطفه وإحسانه وثوابه على المصيبة (ما لا تعلمون) أنتم وأنه يأتي بالفرج من حيث لا أحتسب، وقيل أراد علمه بأن يوسف عليه السلام حي لكنه لم يعرف أين هو، وقيل أراد علمه بأن رؤياه صادقة وأني لأسجد له، قاله ابن عباس، وقيل أعلم من إجابة المضطرين إلى الله ما لا تعلمون.