(الذين إذا أصابتهم مصيبة) المصيبة واحدة المصايب وهي النكبة التي يتأذى بها الإنسان وإن صغرت (قالوا) أي باللسان والقلب لا باللسان فقط فإن التلفظ بذلك مع الجزع قبيح وسخط للقضاء وذلك أن يتصور ما خلق لأجله وأنه يرجع إلى ربه ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما أبقى الله عليه أضعاف ما استرده منه فيهون عليه ويستسلم (إنا لله وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا. وصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة لأن ذلك تسليم ورضا. وفيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله والاعتراف بالبعث والنشور، والرجوع والتفويض إلى الله والرضا بكل ما نزل به من المصايب.
وفي الحديث " من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه " وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون ألا تسمع إلى قول يعقوب عند فقد يوسف يا أسفا على يوسف "، وقد ورد في فضل الاسترجاع عند المصيبة أحاديث كثيرة. (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) الصلاة هنا المغفرة قاله ابن عباس، أو الثناء الحسن قاله الزجاج، وعلى هذا فذكر الرحمة لقصد التأكيد، وقال في الكشاف: الصلاة الرحمة والتعطف فوضعت موضع الرأفة وجمع بينها وبين الرحمة كقوله رأفة رحمة، رؤوف رحيم، والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة، ورحمة بعد رحمة انتهى، وعبر عن المغفرة بلفظ الجمع للتنبيه على كثرتها وتنوعها، قاله البيضاوي وأبو السعود، وقيل المراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة وإنما وصفوا هنا بذلك لكونهم فعلوا ما فيه الوصول إلى طريق الصواب من الاسترجاع والتسليم.