(وما كان ربك) بيان للعادة الربانية أي: ما صح، ولا استقام، وما كان، وما ثبت في حكمه الماضي، وقضائه السابق أن يكون (مهلك القرى) الكافر أهلها قبل الإنذار (حتى يبعث) ويرسل (في أمها) أي أكبرها وأعظمها (رسولاً) ينذرهم.
و (يتلو عليهم آياتنا) أي تالياً عليهم آيات الله الدالة الناطقة بما أوجبه الله عليهم، وما أعده من الثواب للمطيع، والعقاب للعاصي، ومخبراً أن العذاب سينزل بهم إذا لم يؤمنوا، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها لأن فيها أشراف القوم وأهل الفهم والرأي، وفيها الملوك والأكابر فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى وقال الحسن: أم القرى أولها، وقيل: المراد بأم القرى هنا مكة كما في قوله: (إن أول بيت وضع للناس) الآية، والالتفات إلى نون العظمة لتربية المهابة والروعة، وقد تقدم بيان ما تضمنته هذه الآية في آخر سورة يوسف.
(وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) معطوفة على الجملة التي قبلها والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي: وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد أن نبعث إلى أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق في حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر، بعد الإعذار إليهم،