(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) المراد بهؤلاء القائلين جنس الكفرة على الإطلاق أو كفار مكة على الخصوص والأول أولى، والمعنى لا تأتي بحال من الأحوال إنكار منهم لوجودها بالكلية لا بمجرد إتيانها في حال تكلمهم، أو في حال حياتهم مع تحقق وجودها فيما بعد، وإنما عبروا عنها بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها فرد الله عليهم كلامهم وأثبت ما نفوه وأمر رسوله أن يقول لهم:
(قل بلى) على معنى ليس الأمر إلا إتيانها (وربي لتأتينكم) وهذا القسم لتأكيد الإتيان على أتم الوجوه وأكملها. قرىء: لتأتينكم بالفوقية أي الساعة، وبالتحتية على تأويل الساعة باليوم أو الوقت، كأنه قال: ليأتينكم البعث أو أمره كما قال (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك).
(عالم الغيب) تقوية للتأكيد لأن تعقيب القسم بحلائل نعوت المقسم به يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة إثباته وصحته، لما أن ذلك في حكم الاستشهاد على الأمر (لا يعزب) أي لا يغيب (عنه) ولا يستر عليه ولا يبعد عنه من عزب يعزب -بكسر الزاي- إذا غاب وبعد. وخفي وقرىء بضم الزاي، قال الفراء: والكسر أحب إليّ وهما لغتان (مثقال ذرة) أي مقدار أصغر نملة ووزن ذرة.
(في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك) أي من مثقال ذرة وفيه إشارة إلى أن مثقال لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب أيضاًً، ولو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر لكونها محل النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال (ولا أكبر) منه (إلا في كتاب مبين) أي إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ الذي اشتمل على معلومات الله سبحانه ومكتوب فيه فهو مؤكد لنفي العزوب.