(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) يشري بمعنى يبيع أي يبيع نفسه في مرضاة الله كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال قتادة: هم المهاجرون والأنصار، ومثله قوله تعالى (وشروه بثمن بخس) وأصله الاستبدال ومنه قوله (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) والمرضاة الرضا، قال ابن عباس: نزلت في سرية الرجيع وكانت بعد أحد، وفي البخاري تمام قصته عن حديث أبي هريرة فإن شئت فارجع إليه.
(والله رؤوف بالعباد) وجه ذكر الرأفة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه، فكان ذلك رأفة لهم ولطفاً بهم، ومن رأفته أن جعل النعيم الدائم في الجنة جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته أنه يقبل توبة عبده وأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن المصر على الكفر ولو مائة سنة إذا تاب ولو لحظة أسقط عنه عقاب تلك السنين وأعطاه الثواب الدائم.
ومن رأفته أن نفس العباد وأموالهم له ثم أنه يشتري ملكه بملكه فضلاً منه ورحمة وإحساناً.
وهذه أربعة أقسام اشتملت عليها تلك الآيات الكريمات أولها راغب في الدنيا فقط ظاهراً وباطناً، والثاني راغب فيها وفي الآخرة كذلك، والثالث راغب في الآخرة وفي الدنيا باطناً، والرابع راغب في الآخرة ظاهراً وباطناً معرض عن الدنيا كذلك.