(وأنفقوا مما رزقناكم) الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه، وقيل: المراد الزكاة المفروضة، ومن للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير، وفي التبعيض بإسناد الرزق منه تعالى إلى نفسه زيادة ترغيب في الامتثال، حيث كان الرزق له تعالى بالحقيقة، ومع ذلك اكتفى منهم ببعضه.
(من قبل أن يأتي أحدكم الموت) بأن تنزل عليه مقدماته وأسبابه وأماراته، ويشاهد حضور علاماته ودلائله، ويتعذر عليه الإنفاق، وقدم المفعول على الفاعل للإهتمام (فيقول رب لولا أخرتني) أي يقول عند نزول ما نزل به منادياً لربه: هلا أمهلتني وأخرت موتي، فلولا بمعنى هلا التي معناها التحضيض وتختص بما لفظه ماض، وهو في تأويل المضارع كما هنا، إذ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي، أو لا زائدة، ولولا للتمني، وقضية كلام الكشاف أن لولا بمعنى هل الاستفهامية والأولى أولى.
(إلى أجل) أي زمن واحد (قريب) قصير قليل بقدر ما أستدرك فيه ما فاتني (فأصدق) أي فأتصدق بمالي، أو بالزكاة، قرأ الجمهور بإدغام التاء في الصاد، وانتصابه على أنه جواب التمني، وقيل: إن لا في لولا زائدة، والأصل لو أخرتني، وقرىء فأتصدق بدون إدغام على الأصل (وأكن) قرأ الجمهور بالجزم على محل فأصدق، كأنه قيل: إن أخرتني أصدق وأكن، قال الزجاج: معناه هلا أخرتني؟ وجزم أكن على موضع فأصدق، لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم، وقال سيبويه حاكياً عن الخليل: إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئاًً إذا كان جائياً
فخفض ولا (سابق) عطفاً على (مدرك) هو خبر ليس على توهم زيادة الباء فيه، وقرىء وأكون بالنصب عطفاً على فأصدق، ووجهها واضح، ولكن