(أم يقولون به جنة) هذا أيضاً انتقال من توبيخ إلى توبيخ أي بل أيقولون به جنون؟ مع أنهم قد علموا أنه أرجح الناس عقلاً وأثقبهم ذهناً وأوجههم لباً، ولكنه جاء بما يخالف هواهم، فدفعوه وجحدوه تعصباً وحمية، وسيأتي خامس في قوله، (أم تسألهم خرجاً)، ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال:(بل جاءهم بالحق) أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول، بل جاءهم متلبساً بالحق، والحق هو الدين القويم، أو القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام، وعن أبي صالح قال: الحق هو الله عز وجل.
(وأكثرهم للحق كارهون) لما جبلوا عليه من التعصب والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق، فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر، والمراد بالحق هنا أعم من الأول؛ فلذلك أتى به مظهراً في مقام المضمر، وظاهر النظم القرآني أنّ أقلهم كانوا لا يكرهون الحق ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفاً من الكارهين له أو لقلة فطنتهم وعدم فكرتهم لا لكراهة الحق.