(وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) الجهر بالقول هو رفع الصوت به، والسر ما حدَّث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر هو ما حدّث به الإنسان نفسه وأخطره بباله، والمعنى أن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن ذلك فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول، وفي هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه:(واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة) وقيل السر ما أسر الإنسان في نفسه، والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه. وبه قال ابن عباس، وزاد فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقى علم واحد؛ وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة، وهو كقوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة).
وقيل السر ما أضمره الإنسان في نفسه والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وقيل السر سر الخلائق، والأخفى منه سر الله عز وجل، وأنكر ذلك ابن جرير وقال: إن الأخفى ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه. وعن ابن عباس أيضاً قال: السر ما علمته أنت، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه، وفي لفظ: يعلم ما تسر في نفسك ويعلم ما تعمل غداً.
وفي الآية تنبيه على أن الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله تعالى وإسماعه، بل لغرض آخر كتصوير النفس بالذكر ورسوخها فيه ودفع الشواغل والوساس، ومنعها عن الاشتغال بغيره، وهضمها بالتضرع والجؤار