(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن) يقال: جنبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته جعله في جانب، فيعدى إلى مفعولين، قال تعالى:(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) ومطاوعه اجتنب الشر فنقص مفعولاً، والظن هنا مجرد التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم غيره بشيء من الفواحش، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، وأمر سبحانه باجتناب الكثير وأبهم، ليفحص المؤمن عن كل ظن [يظنه] حتى يعلم وجهه، لأن من الظن ما يجب اتباعه، فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على الظن: كالقياس، وخبر الواحد، ودلالة العموم ولكن هذا الظن الذي يجب العمل به قد قوي بوجه من الوجوه الموجبة للعمل به، فارتفع عن الشك والتهمة.
قال الزجاج: وهو أن يظن بأهل الخير سوءاً فأما أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم، قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان: هو أن يظن بأخيه المسلم سوءاً، ولا بأس به ما لم يتكلم به، فإن تكلم بذلك الظن وأبداه [أثم]، وحكى القرطبي عن أكثر العلماء أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح.