للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجملة: (إن بعض الظن إثم) تعليل لما قبلها من الأمر باجتناب كثير من الظن، وهذا البعض هو ظن السوء بأهل الخير، والإثم هو ما يستحقه الظان من العقوبة، ومما يدل على تقييد هذا الظن المأمور باجتنابه بظن السوء قوله تعالى: (وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً) فلا يدخل في الظن المأمور باجتنابه شيء من الظن المأمور باتباعه من مسائل الدين، فإن الله قد تعبد عباده باتباعه، وأوجب العمل به جمهور أهل العلم، ولم ينكر ذلك إلا بعض طوائف المبتدعة، كياداً للدين، وشذوذاً عن جمهور المسلمين، وقد جاء التعبد بالظن في كثير من الشريعة المطهرة، بل في أكثرها، قال أبو السعود: من الظن ما يجب اتباعه كالظن فيما لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله تعالى، ومنه ما حرم كالظن في الإلهيات والنبوات، وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ومنه ما يباح كالظن في الأمور المعاشية أهـ.

وقيل: الظن أنواع فمنه واجب ومأمور به، وهو الظن الحسن بالله عز وجل، ومنه مندوب إليه، وهو الظن الحسن بالأخ المسلم الظاهر العدالة، ومنه حرام محظور، وهو سوء الظن بالله عز وجل، وسوء الظن بالأخ المسلم، قال ابن عباس في الآية: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن سوءاً.

وعن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً " (١) الحديث أخرجه الشيخان.

ثم لما أمرهم الله سبحانه باجتناب كثير من الظن نهاهم عن التجسس فقال:

(ولا تجسسوا) التجسس البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين وعوراتهم، نهاهم الله سبحانه عن البحث عن معائب الناس ومثالبهم، حتى يطلع عليها بعد أن سترها الله تعالى، وقرأ الجمهور بالجيم، ومعناه ما ذكرنا


(١) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>