(ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) مما ثبت في كتبهم بأن الله حرم الشحوم فأذابوها وباعوها وأكلوا أثمانها وحرم عليهم أشياء كثيرة فأحلوها، قال سعيد ابن جبير في الآية: يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله وما حرم الله من الخمر والخنزير، وقيل معناه لا يحرمون ما حرم الله في القرآن ولا ما حرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة، والأول أولى وقيل لا يعلمون بما في التوراة والإنجيل بل حرفوهما وأتوا بأحكام من قبل أنفسهم وقلدوا أحبارهم ورهبانهم واتخذوهم أرباباً من دون الله.
(ولا يدينون دين الحق) أي دين الإسلام الثابت الناسخ لسائر الأديان وقيل دين أهل الحق وهم المسلمون، وقيل دين الله، والمعنى واحد وفيه أن دينهم بعد بعثته - صلى الله عليه وسلم - قد صار ديناً باطلاً.
ثم أنه تعالى لما وصل إليهم بهذه الصلات الأربع بينهم بقوله:(من الذين أوتوا الكتاب) فكلمة من بيانية كما في قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) وإنما أبهم أولاً ثم بين ثانياً زيادة في تمكن العلم في قلب السامع فيعلم المأمور به علمين، علماً إجمالياً ثم علماً تفصيلياً فيكون زيادة في تمكن الخبر عنده، ولما في ذلك من تشويق النفس إلى البيان بعد الإبهام.
فهذا بيان لاسم المبهم الموصول مع ما في حيزه وهم اليهود والنصارى أهل التوراة والإنجيل بالاتفاق، ويدل له قوله تعالى:(قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل) فإذا أتى لفظ أهل الكتاب فالمراد به الفريقان وإذا قيل بنو إسرائيل فالمراد بهم اليهود وإذا قيل النصارى فهم الذين أنزل إليهم الإنجيل، والمجوس ليسوا من أهل الكتاب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " أخرجه البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف.
ويدل له أيض قوله تعالى:(أن يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) وهذا صريح في أنهم ليسوا منهم.