قال أبو الوفاء بن عقيل في الآية: أن قوله قاتلوا أمر بالعقوبة ثم قال (لا يؤمنون بالله) فبين الذنب الذي يوجب العقوبة ثم قال: (واليوم الأخر) فأكد الذنب الذي في جانب الاعتقاد ثم قال: (ولا يحرمون) وفيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ثم قال: (ولا يدينون) وفيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ثم قال: (من الذين أوتوا الكتاب) تأكيداً للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ثم قال: (حتى يعطوا الجزية) فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة أهـ.
والجزية وزنها فعلة من جزى يجزي إذا كافى عما أسدي إليه وكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن، وقيل سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه، وهي في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده وهو الخراج المضروب على رقابهم كل عام إذلالاً وصغاراً.
قال أحمد بن تيمية رحمه الله: والأول أصح وهذا يرجع إلى أنها عقوبة أو أجرة فهي غاية للقتال، والمراد بإعطائها التزامها بالعقد وإن لم يجيء وقت دفعها (عن يد) في موضع النصب على الحال أي يعطوها أذلاء مقهورين عن يد متوانية غير ممتنعة، هذا إن أريد به المعطي، وإن أريد به الآخذ فالمراد عن يد قاهرة مستولية وقيل معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحداً، وقيل المعنى نقداً غير نسيئة، وقيل عن إنعام منكم عليهم لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم، قاله في الكشاف، وقيل معناه مذمومون.
وفي زاده " اليد " قد تجعل كناية عن الانقياد أعطى فلان بيده إذا أسلم وانقاد لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد كأنه قيل قاتلهم حتى يعطوا الجزية عن طيب نفس وانقياد، دون أن يكرهوا عليه فإذا احتيج في أخذها منهم إلى الإكراه لا يبقى عقد الذمة أهـ.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل