الكرخي هناك ما نصه نكر البلد هنا وعرفه في إبراهيم لأن الدعوة هنا كانت قبل جعل المكان بلداً فطلب من الله أن يجعل ويصير بلداً آمناً وثم كانت بعد جعله بلداً انتهى.
وقال الزمخشري: سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا انتهى.
قلت والمعاني متقاربة والمراد من الدعاء جعل مكة آمنة من الخراب، وهذا موجود بحمد الله ولم يقدر أحد على تخريبها وأن أغار جماعة من الجبابرة عليها وأخافوا أهلها، وقيل هو عام مخصوص بقصة ذي السويقتين من الحبشة على ما في الصحيحين فلا تعارض بين النصين.
أو المراد جعل أهل هذا البلد آمنين، وهذا الوجه عليه أكثر المفسرين وغيرهم، وهذا الأمن حاصل بحمد الله بمكة وحرمها إلى الآن قال السيوطي: وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرماً لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه.
(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) يقال جنبته كذا وأجنبته أي باعدته عنه ثلاثياً ورباعياً وهي لغة نجد، وجنبه إياه مشدداً وهي لغة الحجاز وهو المنع وأصله من الجانب كأنه سأله أن يبعده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية والمعنى باعدني وباعد بني عن عبادة الأصنام قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية، وقيل أراد من كان موجوداً حال دعوته من بنيه وبني بنيه، وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا.
قيل ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنماً، والصنم هو التمثال الذي كانت تصنعه أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها