المسألة فنقول لهم نعم لست أعلم من فلان ولكن هل يجب علي اتباعه والأخذ بقوله فيقولون لا ولكن الحق لا يفوته، فنقول لهم لا يفوته وحده بخصوصية فيه أم لا يفوته ومن يشابهه من العلماء ممن بلغ إلى الرتبة التي بلغ إليها في العلم، فيقولون نعم لا يفوته هو وأشباهه ممن هو كذلك.
فيقال لهم: له من الأشباه والأنظار في علماء السلف والخلف آلاف مؤلفة بل فيهم أعداد متعددة يفضلونه ولهم في المسألة الواحدة الأقوال المتقابلة فربما كانت العين الواحدة عند بعضهم حلالاً وعند الآخر حراماً فهل تكون العين حلالاً وحراماً لكون كل واحد منهم لا يفوته الحق كما زعمتم، فإن قلتم نعم فهذا باطل ومن قال بتصويب المجتهدين إنما يجعل قول كل واحد منهم صواباً لا إصابة، وفرق بين المعنيين.
أو يقول القائل في جواب مقالتهم: فلان أعرف منك بالحق لكونه أعلم إذا كان الأسعد بالحق الأعلم، فما أحد إلا وغيره أعلم منه ففلان الذي يعنون غيره أعلم منه فهو أسعد منه بالحق فلم يكن الحق حينئذ بيده ولا بيد أتباعه.
وهذه المحاورات إنما يحتاج إليها من ابتلى بمحاورة المقصرين الذين لا يعقلون الحجج ولا يعرفون أسرار الأدلة، ولا يفهمون الحقائق، فيحتاج من ابتلي بهم وبما يرد عليه من قبلهم إلى هذه المناظرات التي لا يحتاج إلى مثلها من له أدنى تمسك بأذيال العلم، فإن كل عارف يعرف أن وظيفة المجتهد ليست قبول قول العالم المختص بمرتبة من العلم فوق مرتبته، إنما وظيفته قبول حجته فإذا لم تبرز الحجة لم يحل للمجتهد الأخذ بذلك القول الخالي عن الحجة في علمه وإن كان في الواقع وربما له حجة لم يطلع عليها العالم الآخر إلا أن مجرد هذا التجويز يجوز التمسك به في إحسان الظن بالعالم الأول وحمله على السلامة لا أنه يجوز التمسك به في أن المقالة حق يجوز التمسك بها كما يجوز التمسك بالدليل، فهو لا يقوله إلا من لا حظ له من العلم ولا نصيب له من العقل.