بذلك، وكان المهاجرون في دور الأنصار، فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين، من إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم في أموالهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت ما أفاء الله عليّ من بني النضير بينكم وبين المهاجرين، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم، والمشاركة لكم في أموالكم، وإن أحببتهم أعطيتهم ذلك، وخرجوا من دياركم، فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين، وطابت أنفسهم.
(ويؤثرون على أنفسهم) أي في كل شيء من أسباب المعاش، والإيثار تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا، رغبة في حظوظ الآخرة، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، ووكيد المحبة، والصبر على المشقة، يقال: آثرته بكذا أي خصصته به وفضلته، والمعنى ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا (ولو كان بهم خصاصة) أي حاجة وفقر، والخصاصة مأخوذة من خصاص البيت وهي الفروج التي تكون فيه وقيل: مأخوذة من الاختصاص وهو الإنفراد بالأمر، فالخصاصة الإنفراد بالحاجة.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما:
" عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاًً فقال: ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقال رجل من الأنصار، وفي رواية: فقال أبو طلحة الأنصاري: أنا يا رسول الله، فذهب به إلى أهله فقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئاًً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليل لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت، ثم غدا الضيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيها " هذه الآية " (١).