سليمان الجمل عليه والخطيب والخازن وأمثال ذلك في هذا المقام تحت هذه الآية فلم نجد أحداً من هؤلاء الأعلام ذكر هذه البشارة نقلاً عن الإنجيل، ولعل السبب في ذلك عدم رجوعهم إلى الكتب العتيقة والجديدة وتراجمها بالألسنة المختلفة، أو عدم وجودها في تلك الأزمنة أو لعدم الاعتماد عليها لما تطرق من التحريف إليها، ولكنا أحببنا أن نذكر في هذا المقام من النصوص الإنجيلية وغيرها بعضاً من الأدلة الدالة على بشارة عيسى عليه السلام بإتيان رسول من بعده اسمه أحمد، فإن من منن الله سبحانه على عباده المؤمنين ومن تمام حجته على أهل الكتاب أن الإخبارات والأمثلة والبشارات الواردة في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الناصة على ثبوت نبوته العامة، ورسالته الشاملة للخليقة، كلها توجد كثيراً في تلك الكتب إلى هذا الآن، مع ما وقع فيها من التحريفات اللفظية والمعنوية، كما نطق به الأحاديث والقرآن.
ومن عرف طريق إخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر، ونظر بعين الإنصاف إلى هذه البشارات، وقابلها بالإخبارات التي نقلتها النصارى في عيسى ابن مريم عليهما السلام، جزم بأن هذه الإخبارات عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في غاية من القوة، ونهاية من الصحة والشهرة والقبول، وهذه جملة صالحة منها تذكر هنا ونتكلم عليها بما يكشف عن حالها، والدلالة منها على هذا المقصود فأقول وبالله أجول وأصول: فمن تلك البشارات ما في الباب السابع عشر من سفر التكوين:
وعلى إسماعيل أستجيب لك هو ذا أباركه وأكبره، وأكثره جداً، فسيلد اثني عشر رئيساً، وأجعله لشعب كبير انتهى، فقوله: أجعله لشعب كبير مشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لشعب كبير غيره وقد قال تعالى ناقلاً دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في كلامه المجيد:(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).