بأهل المدينة فاقة وحاجة، فأقبلت عير الشام، وضرب لقدومها الطبل، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً في المسجد كما سيجيء، قال قتادة: بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، كل مرة تقدم العير من الشام، ويوافق قدومها يوم الجمعة وقت الخطبة، وقيل ضربه أهل المدينة على العادة في أنهم كانوا يستقبلونها بالطبل والتصفيق، أو ضربه أهل القادم بها أقوال ثلاثة حكاها الخطيب.
ومعنى انفضوا تفرقوا خارجين إليها، وقال المبرد: مالوا إليها والضمير للتجارة وخصت بإرجاع الضمير إليها دون اللهو، لأنها كانت أهم عندهم، وقيل: التقدير وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، وقيل: إنه اقتصر على ضمير التجارة لأن الانفضاض إليها إذا كان مذموماً مع الحاجة إليها فكيف بالانفضاض إلى اللهو؟ وقيل غير ذلك.
(وتركوك) في الخطبة (قائماً) على المنبر، أخرج البخاري ومسلم وغيرهما.
" عن جابر بن عبد الله قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة فابتدرها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر، فأنزل الله:(وإذا رأوا تجارة) إلى آخر السورة "، " وعن ابن عباس في الآية قال جاءت عير عبد الرحمن بن عوف تحمل الطعام فخرجوا من الجمعة بعضهم يريد أن يشتري، وبعضهم يريد أن ينظر إلى دحية بن خليفة الكلبي، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، وبقي في المسجد اثنا عشر رجلاً، وسبع نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو خرج كلهم لاضطرم عليهم المسجد ناراً " أخرجه عبد بن حميد.
وفي الباب روايات متضمنة لهذا المعنى، عن جماعة من الصحابة وغيرهم، والذي سوغ لهم الخروج وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز لانقضاء المقصود وهو