للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأصاب الناس شدة، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوا شدة، حتى أنزل الله تصديقي في: إذا جاءك المنافقون، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم، وهو قوله: (كأنهم خشب مسندة) قال: كانوا رجالاً أجمل شيء " (١).

وأخرجه عنه بأطول من هذا ابن سعد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي، ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال:

(يحسبون كل صيحة) يسمعونها واقعة (عليهم) نازلة بهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم، وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان:

أولهما أنه عليهم، ويكون جملة: (هم العدو) مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون.

والوجه الثاني أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله: (هم العدو)، ويكون قوله: (عليهم) متعلقاً بصيحة وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر، وكان حقه أن يقال: هو العدو، والوجه الأول أولى قال مقاتل والسدي: أي نادى مناد في العسكر، أو انفلتت دابة، أو أنشدت ضالة، ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب، وقيل: كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم وأموالهم.

ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ حذره منهم فقال: (فاحذرهم) أن يتمكنوا من فرصة منك، أو يطلعوا على شيء من أسرارك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، قال أبو السعود: الفاء لترتيب الأمر بالحذر على كونهم أعدى الأعداء، وعلى هذا جعل قوله: (هم العدو) مفعولاً ثانياً مما لا يساعده النظم الكريم أصلاً، ثم دعا عليهم بقوله:


(١) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>